الرئيسية
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رمضان مبارك سعيد لجميع المسلمين إن شاء الله
الهوس مرض عقلي من أهم أعراضه تضخم الأفكار وتهيجها وانتقالها السريع من موضوع إلى آخر دون التمييز بين قيم المعاني و سرعة تداعيها. الهوس قد يكون خفيفا أو فعلا جنونيا، يمتاز المريض به بالنشاط المفرط وبذبذبات في المزاج تتدرج من مزاج عادي إلى مرحٍ أو انقباض أو تبادل بينهما. وقد يميل المهووس إلى الصخب والمرح. وقد استعاض عنه أطباء العرب مثل أبو بكر الرازي في الحاوي، وابن سينا في القانون، باللفظ اليوناني مانيا كما استعملوا مصطلح ملنخوليا.
الهوس أو المانيا تعني أيضا سيطرة فكرة ( أو أفكار ) معينة على شخص ما حتى تصير بمثابة الهاجس الذي يتملكه تماما، فيضحي المرء على استعداد لبذل الغالي و النفيس، فقط من أجل بلوغ مأربه و قضاء وطره.
هذه المانيا انتقلت عدواها ـ خلال فعاليات الصيف الجاري ـ من عيادات الأطباء النفسانيين، لتصيب أكبر فرق القارة العجوز. فماذا كانت أعراضها ؟
بإطلالة سريعة على النوادي الأوروبية العملاقة، نجد أن ريال مدريد قد حطم كل الأرقام القياسية في سوق الانتقالات بصفقات فلكية يأمل من خلالها العودة مجددا إلى واجهة الألقاب.
في إيطاليا، الإنتر ضم نخبة من اللاعبين الكبار، في وقت أسندت فيه إدارتا الميلان و اليوفي ـ غير الفعالتين في ميركاتو الصيف ـ دفة القيادة الفنية لاثنين من أبناء الفريق، هما على التوالي البرازيلي ليوناردو نجم الروسونيري سابقا، والإيطالي تشيرو فيرارا المدافع السابق في صفوف السيدة العجوز؛ و ذلك على أمل تكرار تجربة بيب غوارديولا الناجحة مع البارشا.
بايرن ميونخ، من جانبه، لم يفرط في نجومه الكبار، كما قام بانتدابات في المستوى ـ آخرها جلب المتألق الهولندي أريين روبين ـ و ذلك في طموح مشروع لاستعادة هيبته القارية المتزعزعة مؤخرا.
الأندية الفرنسية ككل موسم، تحاول جاهدة اللحاق بركب الكبار الذي تفوق سرعته إمكانياتها المحدودة مقارنة مع الأذرع الكروية الكبرى أوروبيا.
على الجانب الآخر من بحر المانش، تشحذ الأندية الإنجليزية سكاكينها مستعدة لجولة جديدة من صراع أوروبي هيمنت على حواراته خلال السنوات القليلة الماضية.
فمن الطارق الداعي و ما الحدث الذي أخرج شياطين الكرة الأوروبية من قمقمها ؟
جواب هذا التساؤل هو أسطوانة بقدر ما هي مملة لخصوم البارشا لأنها دكت حصونهم و مرغت أنفهم في التراب، بقدر ما هي حلوة سائغة تنزل بردا و سلاما على عشاق البلوغرانا كلما سمعوا بعضا من مقاطعها.
مجمل الحكاية، يا سادة يا كرام، أن إدارة البارشا ـ الخارجة من موسم كارثي وقتها وبحرب أهلية تمثلت في استفتاء حجب ثقة كاد يودي برأس لابورتا ـ فهمت أخيرا أن ابن النادي هو الأصلح لقيادته، فعينت لاعبها السابق بيب غوارديولا الذي تحدى كل المفاهيم التدريبية في موسمه الأول على رأس العارضة التقنية للأزولغرانا، و هو يقود معشوقته للتتويج بثلاثية خالدة أضحت الآن خماسية بعد انتزاع السوبرين الإسباني و الأوروبي، في إنجاز غير مسبوق قد يرتقي إلى مصاف الإعجاز إن ختم بشهد سادس هو كأس العالم للأندية؛ اللقب الوحيد الذي ينقص خزائن البارشا في نسخته الجديدة.
جوهر القضية ليس الفوز بالثلاثية في حد ذاتها، و لا اكتساح الخصوم محليا و قاريا من ألفهم إلى يائهم، لكن أن تحقق كل الألقاب الممكنة و بأداء خرافي قل مثيله تاريخيا، فقد نجحت في دحض النظريات الغوغائية الزاعمة بأن الراقي من الأداء و التتويج بالألقاب حبان لا يجتمعان.
قديما، تحدث علماء النفس عن تأثير أو أثر الدومينو، ومجمل الحكاية أنك إذا صففت قطع الدومينو واقفة أمام بعضها البعض وحركت القطعة الأولى بأصبعك، فإن قطع الدومينو سوف تتحرك كلها وراء بعضها نتيجة لحركة القطعة الأولى وتنهار بذلك كل القطع تباعا.
هذه النظرية شكلت عقدة للمعسكر الغربي طيلة فترة الحرب الباردة، إذ كانت الخشية أن تمتد الشيوعية من الاتحاد السوفياتي إلى البلدان المجاورة و منها إلى باقي دول العالم. طبعا هذه المخاوف تبددت الآن بعد أن هزمت الشيوعية في معاقلها و أصبحنا نعيش عصر الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك نظرية علمية أخرى تقول إن البدايات المتشابهة تقود إلى نهايات متشابهة.
الفكرة هنا هو أن الأندية الأوروبية كلها تحلم بأن تكون القطعة الموالية من الدومينو التي تستلم مشعل الإبداع من بارشا بيب.
عمالقة أندية القارة العجوز، بالتعزيزات التي قامت بها، والتي تعدى بعضها منطق المعقول، و بإسناد ثلة منها زمام المسؤولية لمدربين شباب، تأمل كذلك أن تكون بداية قصتها مشابهة لبداية موسم تاريخي أنهته البارشا على النحو الذي يعرفه الجميع.
لكن الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح هي:
هل بداية هذه الأندية مشابهة فعلا لبداية البارشا ؟ هل لها تاريخيا أسلوب لعب يجعلها متفردة عمن سواها ؟ هل لها أكاديمية تخرج أفضل لاعبي العالم في كل المراكز؟ هل الوافدون الجدد على هذه الأندية سيدافعون عن قميصها باستماثة أم أن المال همهم الأول و الأخير؟ و السؤال الأخير و الأهم: هل تستطيع كبرى الأندية الأوروبية المزج بين الأداء الراقي و الألقاب في معادلة شبه مستحيلة التحقق ؟
نترك للأيام القادمة عناء الرد على هذه الأسئلة رغم أن معالم الإجابة واضحة و جلية لكل ذي حجر.
تتنوع القراءات و تتعدد التأويلات، لكن المؤكد أن بارشا بيب قدم من صنوف الفن و الإبهار ما أسعد به العالم أجمع، فصرخ الفلاحون الريفيون البسطاء من وراء نورجهم " يا بوي" و ألقوا بطواقيهم على الأرض، و عجز لوردات ويلز عن الكلام، و لوح سكان الأمازون و أستراليا البدائيون برماحهم و قذف الأخيرون البوميرانج، و أشعل الصينيون شموعهم و دقوا الأجراس، بينما أناخ الأعرابي ناقته و نظم قصيدة من الشعر النبطي في مدح بارشا الإبداع و الخيال.
إنه الهوس في أقوى تجلياته، و مانيا البارشا التي اجتاحت الجميع بدون استثناء.
قبل أن أطوي خيامي و أرحل كما قال جدنا العربي ذات زمن جميل، لا يسعني إلا أن أتمنى مجددا للجميع رمضانا كريما أعاده الله على الأمة الإسلامية قاطبة بالخير و اليمن و البركات، إنه على كل شيء قدير و بالإجابة جدير.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رمضان مبارك سعيد لجميع المسلمين إن شاء الله
الهوس مرض عقلي من أهم أعراضه تضخم الأفكار وتهيجها وانتقالها السريع من موضوع إلى آخر دون التمييز بين قيم المعاني و سرعة تداعيها. الهوس قد يكون خفيفا أو فعلا جنونيا، يمتاز المريض به بالنشاط المفرط وبذبذبات في المزاج تتدرج من مزاج عادي إلى مرحٍ أو انقباض أو تبادل بينهما. وقد يميل المهووس إلى الصخب والمرح. وقد استعاض عنه أطباء العرب مثل أبو بكر الرازي في الحاوي، وابن سينا في القانون، باللفظ اليوناني مانيا كما استعملوا مصطلح ملنخوليا.
الهوس أو المانيا تعني أيضا سيطرة فكرة ( أو أفكار ) معينة على شخص ما حتى تصير بمثابة الهاجس الذي يتملكه تماما، فيضحي المرء على استعداد لبذل الغالي و النفيس، فقط من أجل بلوغ مأربه و قضاء وطره.
هذه المانيا انتقلت عدواها ـ خلال فعاليات الصيف الجاري ـ من عيادات الأطباء النفسانيين، لتصيب أكبر فرق القارة العجوز. فماذا كانت أعراضها ؟
بإطلالة سريعة على النوادي الأوروبية العملاقة، نجد أن ريال مدريد قد حطم كل الأرقام القياسية في سوق الانتقالات بصفقات فلكية يأمل من خلالها العودة مجددا إلى واجهة الألقاب.
في إيطاليا، الإنتر ضم نخبة من اللاعبين الكبار، في وقت أسندت فيه إدارتا الميلان و اليوفي ـ غير الفعالتين في ميركاتو الصيف ـ دفة القيادة الفنية لاثنين من أبناء الفريق، هما على التوالي البرازيلي ليوناردو نجم الروسونيري سابقا، والإيطالي تشيرو فيرارا المدافع السابق في صفوف السيدة العجوز؛ و ذلك على أمل تكرار تجربة بيب غوارديولا الناجحة مع البارشا.
بايرن ميونخ، من جانبه، لم يفرط في نجومه الكبار، كما قام بانتدابات في المستوى ـ آخرها جلب المتألق الهولندي أريين روبين ـ و ذلك في طموح مشروع لاستعادة هيبته القارية المتزعزعة مؤخرا.
الأندية الفرنسية ككل موسم، تحاول جاهدة اللحاق بركب الكبار الذي تفوق سرعته إمكانياتها المحدودة مقارنة مع الأذرع الكروية الكبرى أوروبيا.
على الجانب الآخر من بحر المانش، تشحذ الأندية الإنجليزية سكاكينها مستعدة لجولة جديدة من صراع أوروبي هيمنت على حواراته خلال السنوات القليلة الماضية.
فمن الطارق الداعي و ما الحدث الذي أخرج شياطين الكرة الأوروبية من قمقمها ؟
جواب هذا التساؤل هو أسطوانة بقدر ما هي مملة لخصوم البارشا لأنها دكت حصونهم و مرغت أنفهم في التراب، بقدر ما هي حلوة سائغة تنزل بردا و سلاما على عشاق البلوغرانا كلما سمعوا بعضا من مقاطعها.
مجمل الحكاية، يا سادة يا كرام، أن إدارة البارشا ـ الخارجة من موسم كارثي وقتها وبحرب أهلية تمثلت في استفتاء حجب ثقة كاد يودي برأس لابورتا ـ فهمت أخيرا أن ابن النادي هو الأصلح لقيادته، فعينت لاعبها السابق بيب غوارديولا الذي تحدى كل المفاهيم التدريبية في موسمه الأول على رأس العارضة التقنية للأزولغرانا، و هو يقود معشوقته للتتويج بثلاثية خالدة أضحت الآن خماسية بعد انتزاع السوبرين الإسباني و الأوروبي، في إنجاز غير مسبوق قد يرتقي إلى مصاف الإعجاز إن ختم بشهد سادس هو كأس العالم للأندية؛ اللقب الوحيد الذي ينقص خزائن البارشا في نسخته الجديدة.
جوهر القضية ليس الفوز بالثلاثية في حد ذاتها، و لا اكتساح الخصوم محليا و قاريا من ألفهم إلى يائهم، لكن أن تحقق كل الألقاب الممكنة و بأداء خرافي قل مثيله تاريخيا، فقد نجحت في دحض النظريات الغوغائية الزاعمة بأن الراقي من الأداء و التتويج بالألقاب حبان لا يجتمعان.
قديما، تحدث علماء النفس عن تأثير أو أثر الدومينو، ومجمل الحكاية أنك إذا صففت قطع الدومينو واقفة أمام بعضها البعض وحركت القطعة الأولى بأصبعك، فإن قطع الدومينو سوف تتحرك كلها وراء بعضها نتيجة لحركة القطعة الأولى وتنهار بذلك كل القطع تباعا.
هذه النظرية شكلت عقدة للمعسكر الغربي طيلة فترة الحرب الباردة، إذ كانت الخشية أن تمتد الشيوعية من الاتحاد السوفياتي إلى البلدان المجاورة و منها إلى باقي دول العالم. طبعا هذه المخاوف تبددت الآن بعد أن هزمت الشيوعية في معاقلها و أصبحنا نعيش عصر الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك نظرية علمية أخرى تقول إن البدايات المتشابهة تقود إلى نهايات متشابهة.
الفكرة هنا هو أن الأندية الأوروبية كلها تحلم بأن تكون القطعة الموالية من الدومينو التي تستلم مشعل الإبداع من بارشا بيب.
عمالقة أندية القارة العجوز، بالتعزيزات التي قامت بها، والتي تعدى بعضها منطق المعقول، و بإسناد ثلة منها زمام المسؤولية لمدربين شباب، تأمل كذلك أن تكون بداية قصتها مشابهة لبداية موسم تاريخي أنهته البارشا على النحو الذي يعرفه الجميع.
لكن الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح هي:
هل بداية هذه الأندية مشابهة فعلا لبداية البارشا ؟ هل لها تاريخيا أسلوب لعب يجعلها متفردة عمن سواها ؟ هل لها أكاديمية تخرج أفضل لاعبي العالم في كل المراكز؟ هل الوافدون الجدد على هذه الأندية سيدافعون عن قميصها باستماثة أم أن المال همهم الأول و الأخير؟ و السؤال الأخير و الأهم: هل تستطيع كبرى الأندية الأوروبية المزج بين الأداء الراقي و الألقاب في معادلة شبه مستحيلة التحقق ؟
نترك للأيام القادمة عناء الرد على هذه الأسئلة رغم أن معالم الإجابة واضحة و جلية لكل ذي حجر.
تتنوع القراءات و تتعدد التأويلات، لكن المؤكد أن بارشا بيب قدم من صنوف الفن و الإبهار ما أسعد به العالم أجمع، فصرخ الفلاحون الريفيون البسطاء من وراء نورجهم " يا بوي" و ألقوا بطواقيهم على الأرض، و عجز لوردات ويلز عن الكلام، و لوح سكان الأمازون و أستراليا البدائيون برماحهم و قذف الأخيرون البوميرانج، و أشعل الصينيون شموعهم و دقوا الأجراس، بينما أناخ الأعرابي ناقته و نظم قصيدة من الشعر النبطي في مدح بارشا الإبداع و الخيال.
إنه الهوس في أقوى تجلياته، و مانيا البارشا التي اجتاحت الجميع بدون استثناء.
قبل أن أطوي خيامي و أرحل كما قال جدنا العربي ذات زمن جميل، لا يسعني إلا أن أتمنى مجددا للجميع رمضانا كريما أعاده الله على الأمة الإسلامية قاطبة بالخير و اليمن و البركات، إنه على كل شيء قدير و بالإجابة جدير.
